هل ستندلع الحرب ؟ قراءة في السيناريوهات
الممهدات :
كان من الثوابت الدائمة في السياسة الجزائرية عدم الذهاب بشكل مباشر إلى خارج حدودها ، فالجزائر لا تشارك في أية حروب خارجية ، و ذلك من صميم عقيدتها العسكرية ، لكن التعديل الأخير على الدستور الجزائري في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 بات يتيح لقواتها لأول مرة منذ استقلالها تنفيذ عمليات خارجية.
هذه الخطوة التي يمكن إدراجها في إطار سياسة جزائرية جديدة استباقية في المنطقة خاصة مع التطورات في ليبيا و هشاشة الأوضاع على حدود بعض دول جوارها تحمل أيضاً دلالات أخرى مهمة ليس أقلها أهمية احتمالية انجرار الجزائر بشكل مباشر إلى نزاع الصحراء و تداعيات أزمة معبر الكركارات السابقة.
لكن شبحا أكبر كان و مايزال يخيم على أجواء الإقليم ككل يهدد بدفع المنطقة كلها إلى منحدر هاوية لا يعلم مداه الا الله.
لقد باتت نيران الصراع الدولي بين القوى الكبرى عالميا على أشدها ، و اشتد اوارها مؤخراً في منطقة الساحل و المغرب العربي بشكل خاص، فجأة اختفى المارشال ديبي ليحل محله ابنه محمد و لتدخل معه تشاد أكثر في صلب الحلف الفرنسي الغربي ، فجأة ظهرت فاغنر في وسط افريقيا و بدت ملامح وجودها في مالي لتدخل قوات تحالف G5 في نفق مظلم يهدد بنسف مستقبلها و ظهر للعيان توتر العلاقات بين باريس و بامكو حد التراشق اللفظي.
المغرب بدوره كان على موعد مع اتفاقيات ابراهام التي طبعت العلاقات بين المملكة و تل أبيب بدعم امريكي وصل لأول مرة إلى خطوة اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء ، لتصبح المغرب على ما يبدوا ركنا أساسيا من التحالف الغربي في المنطقة .
موريتانيا صرحت على لسان وزير دفاعها الجنرال حننا ولد سيدي باقتضاب يمكن تفسيره بشكل سلبي حول تواجد فاغنر في مالي و عبرت عن ثقتها في خطوات باريس في إعادة تموضع قواتها في مالي بينما ألغت الجزائر رسمياً إستخدام اللغة الفرنسية في مناهجها التعليمية فيما يعتبر خطوة تصعيدية لها دلالاتها العميقة تلاها التوتر الأخير بين الجزائر و باريس على خلفية تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون.
وصولاً إلى هذه النقطة بات من الواضح أن المنطقة دخلت مرحلة الاستقطاب الحاد بين المعسكر الشرقي بقيادة روسيا و عضوية الجزائر و المعسكر الغربي بقيادة باريس و واشنطن و عضوية الرباط على غرار ما هو حاصل في الشرق الأوسط .
هذا الاستقطاب الحاد بات يهدد أكثر من أي وقت مضى بدفع الرباط و الجزائر إلى مواجهة عسكرية مباشرة .
في شهر تموز يوليو من العام 2020 صرح لي أنا مصدر دبلوماسي غربي مطلع بأن المنطقة مقبلة على. تطورات سلبية كبيرة قد تكون بداية شرارتها تفاقم الأزمة بين الجزائر و المغرب، بعدها بعام تقريباً قطعت العلاقات الثنائية بين البلدين.
الخيارات الاستراتيجية:
في سبتمبر الماضي وقع هجوم دام نفذه مسلحون ملثمون على شاحنة مغربية تحمل بضاعة تجارية في مالي راح ضحيته عدة مواطنين مغاربة ، لكن هذا الهجوم بالذات كان مريبا في توقيته غريبا في شكله ، خاصةً و أن المسلحين الذين لم تحدد هويتهم بعد ، استهدفوا القتل لذاته و لم ينهبوا الشاحنات ثم اختفوا كما يذوب الملح في الماء. يعتقد البعض أن أياد جزائرية تقف وراء الهجوم لقطع خطوط التجارة المغربية ( لم يتبنى الجزائر قط مثل هكذا هجوم) ، يعتقد نفسها هذا البعض أيضا أن القصف المغربي الأخير ( نفاه المغرب ) على شاحنات جزائرية جاء كدفعة تحت الحساب ردا على تلك العملية ، لكن أية دلائل قطعية لا توجد لدينا لدعم هذه الفرضية و إن كان احتمال انجراف البلدين إلى مرحلة الضربات تحت الحزام و الحرب بين الحروب وارد جدا كما هو حاصل بين إسرائيل و إيران.
عندما تواترت الأنباء عن قصف مغربي على شاحنات جزائرية سابقاً ، حبس الجميع أنفاسه ، بانتظار رد رسمي جزائري ، و امتنع الإعلام الجزائري عن الخوض في الموضوع مدة يومين فيما يبدو أنه تعليمات رسمية ، إلى حين اتخاذ السلطات الرسمية لخيارها الاستراتيجي .
ثم جاء البيان الرئاسي ليؤكد العملية ثم ليضيف تفصيلين مهمين ، "سلاح متطور " و بأن الجريمة " لن تمر بدون عقاب" .
الرد المغربي على البيان الرئاسي الجزائري أكد هو الآخر الحادث من حيث وقوعه متحدثاً عن منطقة ألغام و عن نقل السلاح إلى جبهة البوليساريو .
وصولاً إلى هذه النقطة بات من الواضح أن خيار التصعيد الاستراتيجي تملكه الجزائر، فتبعا لردها سيكون قرار الحرب من عدمه لدى الرباط ، فإذا كان بوسع الرباط إعلاميا و أمنيا تمرير الرد الجزائري فستمرره ، أما إذا كان خارج الخطوط الحمراء فسيتعين عليها الشروع في رد فعل مقابل سيتدحرج إلى حرب شاملة بلا شك.
نظريا و تبعا للاعتراف الرسمي الجزائري بحصول إعتداء على مواطنيها ، فالجزائر الزمت نفسها بالرد ، على الأقل أمام شعبها .
لكن طبيعة هذا الرد قد لا تكون فورية بحسب بيان الرئاسة الذي أشار -في المدى الزمني - بأن الجريمة لن تمر بدون عقاب ، أما أسلوبه فقد يتخذ أسلوباً مباشرا برد عسكري جزائري على مواقع عسكرية مغربية، أو عن طريق حليفها العسكري جبهة البوليساريو التي يمكن أن تزودها الجزائر بنفس "السلاح المتطور" الذي أشار إليه البيان الرئاسي الجزائري.. "الدرون" و هنا ستتغير قواعد اللعبة في الصراع العسكري بين الجبهة و الرباط لتدخل المنطقة في مرحلة تصعيد جديدة أخطر من سابقتها ستنتهي بحرب مباشرة.
تبقى احتمالية حصول الحرب على ضوء التطورات الكبيرة و المتلاحقة واردة و لكنهت ليست يقينية نظرا لإدراك كل طرف بفداحة الثمن الذي سيدفعه ، فحصول " مفهوم الردع المتبادل أحد أهم موانع حصول الحرب .
من المؤكد أن البلدين لا مصلحة لهما في الحرب اقتصاديا و سياسياً و بأن الظروف الداخلية لكلى البلدين ليست مساعدة على اتخاذ خيار استراتيجي بمستوى حرب كبيرة في الإقليم ، من المؤكد أيضا أن أي صراع عسكري في المنطقة سيهدد إمدادات الغاز الموعودة المكتشفة حديثاً في عمق البحر ، و تلك قصة أخرى قد تكون بحد ذاتها عاملاً دافعاً إلى الحرب، فإسقاط ورقة الضغط الروسية الجزائرية على أوروبا المتمثلة في إمدادات الغاز لن يمر بسهولة و سلاسة من قبل المعسكر الغربي في المنطقة ، و هذا ما قد يفسر سباق التسلح العنيف بين البلدين و قرار الكرملين تسليح الجزائر بأسلحة نوعية مثل منظومة إس 400 وصواريخ إكسندر و تسليح امريكا للمغرب بطائرات متطورة ومنظومات رادار و درون هجومية حديثة ، ينضاف إلى هذا المناورات الغربية الأخيرة في المغرب و المناورات الجزائرية المقابلة لها قبل أشهر.
لاحظوا أيضاً أن أيا من عواصم القرار الكبرى من موسكو إلى واشنطن لم يصدر عن أي منها أية محاولات جدية للتهدئة أو الوساطة الفعالة بين البلدين.
دور موريتانيا و التداعيات المحتملة عليها في مقال مفصل لاحقاً إن شاء الله.