الخارجون على القانون والفارون من العدالة الذين ذكر الإعلام الموريتاني وبيان وزارتي الدفاع والداخلية أنهم قتلوا في ولاية آدرار وأن أحدهم جرح؛ هم في واقع الأمر ثلاثة أنماط من المتطرفين.
أحدهم نوى وفعل وهرب وعاد لهروبه مجددا والظاهر أنه لم يكن من الذين تابوا أثناء الحوار الأخير بين يدي العلماء؛ ممايعني أنه مازال يعتنق فكر السلفية الجهادية حتى وفاته وهو السالك.
الثاني هو من ذوي المحكوميات العالية ولكنه شارك في الحوار الأخير مع العلماء والراجح أن لديه توبة موثقة.
أما الشابان الآخران اللذان مات أحدهما واعتقل الآخر فهما في سجن احتياطي بسبب نيات وعزائم عنيفة.
بقي رفاق لهم في الزنازين شاركوا في الحوار وأعلنوا توبتهم ولم يروا النور؛ وأفرغت توبتهم من محتواها وقتلت روح المطارحة العالية التي اجترحها علماء ربانيون استنبطوا وتبصروا واثاروا وأجابوا وردوا وتبينوا؛ في مهدها.
مشكلة هؤلاء المتطرفين أنهم مسلمون ومتدينون؛ يكرهون ويحبون ويناضلون بناء على منظومة دينية نعلمها جميعا. عقيدتهم ثائرة رافضة جامدة؛ وهامش التأويل لديهم ضيق؛ وواقع الحال في العالم الإسلامي والعربي الذي يعيشون فيه نكد ضحل بسبب غياب العدل وتفشي الدكتاتورية وتحكم الغرب في مصائر الأمم.
ليس التطرف العنيف أمرا سويا؛ ولا يقبله العقل السليم لأن السياسة أصلا أوجدها الإنسان لتجنب الاقتتال.
استشهد في بلادنا ثلاثة مجاهدين اثنان منهما من الحرس الوطني عند فرار الهاربين من العدالة؛ ودركي أثناء مواجهة معهم في سفوح ظهر آدرار.
مات منا ثلاثة رجال من أبناء جلدتنا فارين من العدالة؛ واستشهد بسببهم ثلاثة رجال من القوة العمومية؛ أعطوا أغلى مايملكون لكي ننعم كأمة بالحياة ونكتب وننظر وننتقد ونفكر؛ فمجرد النظر في جمال تقاسيم وبراءة ورجولة الدركي الذي قطع أزيد من عشرة كيلومترات زحفا ومشيا مع رفاقه في قوات النخبة لدى الدرك الوطني في سفوح مزمازه قرب لمصيدي في ولاية آدرار؛ أو ابتسامات الحرسيين الذين تم اغتيالهما وارتقيا شهيدين في السجن المدني؛ يستدعي رجولة بحد ذاته.
تقطعت أرحامنا وأرزاقنا لسبعة أيام بسبب هذه العملية.
يعلم الأفراد في موريتانيا وفي غيرها أن الدولة والمجتمع إن اتفقوا على الإمساك بأي خارج على القانون فالغلبة لن تكون بجانبه. والسجناء الفارون المقتولون منهم والمعتقل اتضح لهم ذلك منذ الوهلة الاولى.
حين هرب السجين الراحل السالك ولد الشيخ أول مرة لم يقتل أحدا ولذلك وصل غينيا كوناكري في لمح البصر؛ لكنه ورفاقه حين تسببوا في استشهاد الحرسيين تداعت الأمة الموريتانية تضررا ورفضا لفعلتهم.
أتحفظ كثيرا على كلمة الإرهاب والإرهابيين في الفضاء الساحلي - الصحراوي لأن معظم ماحيك ويحاك فيه هو من قبل أجهزة دول وليس من فعل أفراد أو جماعات. وقد أسال الإرهاب حبرا وريقا ودما ودمعا أكثر من أية كلمة أخرى على وجه هذا الأديم؛ والأهم من ذلك أسقط حكومات وأتى برؤساء واستدر أموالا.
ظاهرة التطرف العنيف في موريتانيا يمكن أن تختفي في لمح البصر إن أريد لها ذلك؛ فالتطرف نوبة عابرة تتغشى الشباب غالبا؛ مثل التدخين والالتزام بتقليعات شعر خاصة والإدمان على مجون أو هوس أو غيرهما؛ لكنها تنقشع بالسجن أو بالملل او الهزيمة؛ وقد تزول بالمطارحة الفكرية والوقوف بين يدي عالم شريعة متبصر.
شهداء قوات الأمن والدفاع وآخرهم الدركي المشمول برحمة الله الذي سيوارى جثمانه الطاهر الثرى اليوم؛ هم ضحايا للتلكئ والتسويف في علاج ملف التطرف العنيف؛ قبل أن يكونوا مغدورين؛ نالوا الشهادة مقبلين غير مدبرين لنحيا نحن.
أما الشباب الذين ماتوا وهم فارون من العدالة؛ فقد تركوا وراءهم أطفالا يتامى وأمهات ثكالى وأرامل تستحققن الحداد والاحترام.
علينا كدولة وكمجتمع أن نكف عن إيذاء الأحياء بالتشفي في الراحلين وأن نتعهد شبابنا الضالين والتائبين وهم قلة في السجن بتثمين توبتهم وتسريع دمجهم بيننا؛ وأن نتكفل بعائلات القتلى الفارين من العدالة ويتاماهم وأراملهم كموريتانيين فقدوا معيلا أو أخا أو زوجا وأن يستلموا جثامين ذويهم بكرامة ويضعوا علامات على قبورهم ليتمكنوا من زيارتهم وتذكرهم.
فرح وحزين أنا لأن مسلسل رعب جماعي انتهى؛ و تخللته أخطاء عظيمة وفجائع كبيرة؛ وتضحيات جسام.
رحم الله شهداء قوات الامن والدفاع وألهم ذويهم صبرهم والسلوان فيهم؛ وحفظ الله موريتانيا.