كلمة حق حول عملية فرار السجناء وتداعياتها
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..
وبعد:
فقد تابع معظمنا حادثة هروب السجناء الأربعة من السجن المركزي بنواكشوط، مساء الأحد الخامس من مارس الحالي، وتداعياتها المثيرة، وآثارها الخطيرة، وما أثارت من خوف، وخلفت من ضحايا، نسأل الله تعالى أن يتغمدهم بالرحمة والمغفرة.
ومع أني كنت خارج العاصمة، وخارج التغطية الشبكية، فقد حرصت على متابعة الحدث من لحظاته الأولى، والعمل على إصدار بيان مع جماعة من أفاضل وكبار العلماء والدعاة، والأئمة والقضاة في البلاد حول الحادثة.
وقد تضمن ذلك البيان:
1. البراءةَ من كل فكر غالٍ، وإنكارَ كل سلوك منحرف، يهدد الأمن، وينتهك الحرمات، وخاصة قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.
2. التعزية في الحرسيَّين اللذَين قتلا مساء الأحد، تغمدهما الله برحمته.
3. وجوب قصر مسؤولية الحادث على من قام به، والتحذير من التعميم، وتحميل المسؤولية عنه للإسلام، أو حمَلتِه، والعاملين له من أهل الصدق والاستقامة.
4. الدعوة إلى إقامة الدين، وتحكيم الشرع، وتحقيق العدل، والقضاء على أسباب الغلو، باعتبار كل ذلك أمورا مطلوبة لذَاتِها شرعا، ومطلوبة لغيرها سدا للذريعة ومنعا.
5. دعوة من يتبنون هذا الفكر، ويقومون بمثل هذه الأعمال إلى التوبة إلى الله عز وجل.
والآن، وبعد نهاية العملية النهايةَ المعلومة عندنا جميعا..
وبعد الاطلاع على كثير مما قيل عن الحادثة، وكُتب حولها تحليلا، أو تعليلا، من قبيل التفسير، أو التبرير، أعيد، وأزيد في هذا الكلمة:
أولا: عن حادثة الفرار
حول هذه الحادثة أرى ما يلي:
1. أن الفرار من السجن أمر عادي جدا، ويحصل في جميع سجون العالم.. عادي أن يسعى سجين محكوم عليه بالإعدام، أو ينتظر الحكم به، إلى الهروب من السجن.
وعادي أن يجد فرصة لذلك في ظل الاسترخاء الأمني في السجن، الذي له أسبابه الحالية المعروفة.
الشيء المستبشع والمنكر في عملية الفرار، هو قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.
2. أن الحادثة كانت حادثة معزولة، وليست جزءا من مخطط أوسع، يستهدف أمن البلاد.
وأظن أن ما تحدثت عنه بعض الأوساط من وجود (مخطط، وعناصر دعم، وخلايا...) كانت مهمته محصورة في تسهيل عملية الهروب فقط.
3. كان تعاطي السلطة مع الحدث جيدا من بعض النواحي على الأقل.
ومنها على سبيل المثال أنها:
- أدركت بعد الليلة الأولى أن الحادث حادث منفرد، فلم توسع دائرة الاشتباه، ونطاق التوقيف أكثر من اللازم.
- لم تقم بردة فعل سلبية تجاه الساحة الإسلامية العامة التي استنكرت الحادث في الجملة.
- حرصت الدولة، وعلى لسان الناطق باسم الحكومة على تبرئة السلفيين الحقيقيين من الحادث، وحصر المسؤولية عنه فيمن قاموا به.
وقد أحسنت بذلك.
4. من السابق لأوانه معرفة تداعيات الحادث على وضعية (المتاركة) القائمة على الجبهة الشرقية.
مع أن الطرفين يدركان تماما أن مصلحتهما في استمرارها، والمحافظة عليها.
5. كان مستوى الاستنكار الشعبي العام، والإسلامي الخاص للحادث رسالة رفض صارخة ضد هذا الفكر، وهذا السلوك.
وقد غاب هذا التفريق الجوهري من قانون مكافحة الإرهاب الموريتاني، وذلك من شؤم استيراد القوانين الأجنبية.
- من لم يتب من بغيه، وتمادى في غيه، فهو - مع عظيم إثمه، وشناعة جرمه - مسلم له من الحقوق ما لأمثاله من المسلمين، وعليه ما عليهم.
له حقوقه في حياته، وبعد مماته.
ومن حقوقه في حياته، حفظ كرامته، ونصحه، وإرشاده، وتوفير محاكمة شرعية عادلة له.
ومن حقوقه بعد موته وجوب تغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه، والترحم عليه.
ولا يجوز التمثيل به، ولا انتهاك حرمته.
ومن سلب هؤلاء صفة الإسلام، أو حقوقه، فقد وقع فيما نقم عليهم.
إن الخوارج (وهم أشد غلوا من أكثر هؤلاء) الذين قتلوا الصحابة، وكفروهم، وخرجوا على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لم يكفرهم الصحابة، بل عاملوهم معاملة المسلمين.
وأكثرُ الفقهاء يرَون أنهم بغاة، خرجوا متأولين..
وذكر ابن عبد البر - رحمه الله - أن عليا - رضي الله عنه - سئل عنهم: أكفارٌ هُم؟ قال: من الكفر فَرُّوا.
قيل: فمنافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا.
قيل فمَا هم؟ قال: هم قوم أصابتهم فتنة، فعَمُوا وصَمُّوا، وبغَوا علينا، وقاتَلوا فقاتلناهم.
وقال لهم: لكم علينا ثلاث: لا نمنعُكم مساجدَ الله أن تَذكروا فيها اسمَ الله، ولا نَبدؤُكُم بقتال، ولا نَمنَعُكم الفيءَ ما دامت أيديكم معنا.
هذا ما أردت بيانه، وقصدت إعلانه.
والله يقول الحق، وهو يهدي السبيل.
اللهم احفظ بلادنا، وسائر البلاد، من زيغ أهل الزيغ، وفساد أهل الفساد، وأنعم علينا بنعم الأمن والإيمان، والحياة تحت راية القرآن، وفي ظل شريعة الرحمن.. أحينا على ذلك، وأمتنا عليه.
Comments