بلاط ولد الغزواني وفن صناعة الأزمات
وصل ولد الغزواني إلى الحكم في فترم لم تعد توجد فيها معارضة سياسية وما يوجد منها كان سعيداً بدعم ولد الغزواني. مع ذلك يبدو كما لو أن رموز بلاط ولد الغزواني يتبرمون من عدم وجود مشاكل سياسية ويسعون جهدهم لخلقها ولخلق أنواع خطيرة منها.
انهم رجال احتلوا مواقع متقدمة في الدولة بمحض الصدفة ويشهد حلفاؤهم و ذووهم قبل غيرهم على محدودية تكوينهم وانعدام ثقافتهم وهو ما يفسر تمييعهم للشأن العام وكأن لهم حساباً يصفونه مع ذوي الكفاءات أو الذين يتعاملون مع الشأن العام بمسؤولية أو حتى يفهمون، مجرد الفهم، جهاز الدولة واحتياجاته. لقد اختطفوا البلد ووقفوا دونه بعصيهم وكلاب حراستهم.
غير أن هناك الأخطر من كل ذلك وهو ما قد يمس السلم الاجتماعي في البلد:
- إذكاء النعرات العرقية من خلال استهداف النائب بيرام الداه: من الواضح والجلي أن دعوى ولد مولود ضد النائب بيرام ليست بريئة أو على الأقل استغلتها نفس هذه الجهات. فكم من دعوى أخطر بكثير ترقد في أدراج مكتب وكيل الجمهورية ويتم تجاهلها؟ وهل هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها بيرام عن هذا الموضوع؟ وكأن الذين يحركون هذه القضية يعلون أحقادهم الشخصية ورغبة الانتقام من بيرام على ضرورات السلم الاجتماعي. وقد توالت نتائج مبادرتهم. فها قد بدأ الاصطفاف حيث أعلن الزعيم مسعود دفاعه عن بيرام. وتوالت إعلانات أطر الحراطين حتى من داخل حزب الدولة. وهو ما ينذر باصطفاف غير مناسب بين البيظان والحراطين.
- أكثر من ذلك، يفرض هؤلاء على السياسيين الوطنيين الذين يرفضون التقوقع في هويات ضيقة مثل الزعيم مسعود العودة إلى أبسط محددات هويتهم الاجتماعية. لقد حمل الرجل تاريخه ورفاقه والتحق بالناصريين في حزب التحالف وبرز زعيما وطنيا ينعقد الاجماع على احترامه. قام نفس الشخوص بالإيعاز لقيادات الناصريين المتبقين في حزب التحالف بالانسحاب منه ليبقى مسعود محاطا أساساً بالحراطين.
- وقبل ذلك كانت هناك ترشيحات الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية التي أخضعها نفس الأشخاص لمنطق "لوسيكه"، والانتقام، و"تبراد لخلاك"، وهيمنة بعض الأوساط في حدود لا علاقة لها بوزنها الديموغرافي أو السياسي، ولا حتى بطاقاتها الفكرية والثقافية.
- إنشاء حزب جديد للأغلبية بواجهة إخوانية: في تجلٍ لصراع الأجنحة، حيث بادر أحدهم إلى الايعاز بإنشاء حزب جديد بواجهة إخوانية ليكون مزاحما، وربما بديلاً للحزب الحاكم الذي فقدوا السيطرة عليه. نتذكر جميعا كيف انقض نفس الأشخاص على شيخنا ولد النني عندما نظم مجرد مبادرة خارج إطار الحزب. وكيف قرّع الوزير الأول الناس أثناء الانتخابات الماضية مكررا أن الرئيس لا يدعم ولا يدعمه إلا حزب الإنصاف. والآن ينشأ حزب جديد.
كل هذه الوقائع تجعلنا نتساءل، أليس فيكم رجل حكيم؟ أليس فيكم سياسي محنك يقرأ ويحلل المشهد ويعطي النصيحة؟ هل هذا ما يحتاجه رئيسكم وهو على أبواب حملة انتخابية؟ ألا تعرفون أن مسعود وبيرام مثلاً ليس لديهم ما يخسرونه؟ وأن الاحتقان الاجتماعي وصل مداه بسبب الجوع والفساد والحرمان الذي دفع بآلاف الشباب إلى الهجرة بينما نرى في شوارع نواكشوط بعض الأميين يتطاولون في البنيان ويتبارون في اقتناء آخر صيحات مصانع السيارات؟ ويتباهون بعدد الفلل والشقق في لاس بالماس، والرباط وتركيا؟
اللهم سلم!