
في 9 يوليو 2025، وجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعوة رسمية لقادة خمس دول أفريقية إلى البيت الأبيض: موريتانيا، السنغال، الغابون، غينيا بيساو، وليبيريا.
اختيار هذه الدول أثار العديد من التساؤلات، لكن بالنسبة للمراقب الاستراتيجي، فإن موريتانيا كانت في قلب الحسابات، لا على الهامش.
لماذا؟ لأن الموقع والثروات والفراغ السياسي تشكل مزيجًا مثاليًا لبناء نفوذ أميركي جديد، يقوم على المصالح لا على الشعارات.

1. الجغرافيا الصامتة:
موريتانيا تطل على المحيط الأطلسي، وتمتد من الصحراء حتى الساحل، وتلامس ثلاث جبهات:
الجزائر شمالًا: شريك ثقيل يتّجه شرقًا أكثر مما ينظر غربًا.
مالي جنوبًا: دولة فوضى، تتغلغل فيها روسيا علنًا.
المحيط غربًا: بوابة المعادن والطاقة والهجرة غير النظامية.
من هنا، تصبح موريتانيا ساحة عبور واستباق لا يمكن تجاهلها لأي قوة عظمى.
2. المعادن: الثروات التي لم تُحتكر بعد
حديد الزويرات: يصدر إلى آسيا، وتحديدًا الصين.
الذهب: مورد حساس، تحوم حوله شركات أجنبية، ونشاطات غير مراقبة.
الغاز البحري: مشروع ضخم مع السنغال، تهيمن عليه BP البريطانية.
النحاس واليورانيوم: ثروات استراتيجية تنتظر من يقترب.
أميركا، التي بدأت تنظر إلى المعادن كأمن قومي، تريد الآن موطئ قدم، قبل أن يُغلق الباب.
3. الفراغ الاستراتيجي:
لا قواعد أميركية، ولا وجود صيني واسع، ولا سيطرة فرنسية بعد الانسحاب الرمزي.
موريتانيا تُعد حاليًا "الأرض المحايدة"… والمفتوحة.
واشنطن تدرك أن هذه اللحظة لا تتكرر، وأن السيطرة الناعمة ممكنة عبر:
العقود،
الشركات،
والمبادرات الثنائية.


دولة مستقرة وديمقراطية، شريك في الغاز مع موريتانيا، وصورة ناعمة لتحالف مستمر.

بلد ثري بالمنغنيز واليورانيوم، كان تاريخيًا في حضن فرنسا، وتبحث عنه واشنطن الآن.

دولة صغيرة لكنها ممر رئيسي للكوكايين من أميركا اللاتينية، ومركز للهجرة غير الشرعية.

رمز تاريخي للنفوذ الأميركي في أفريقيا، ويمكن أن تعود إلى الساحة كميناء لوجستي استراتيجي.

لأن فرنسا تتراجع.
لأن الصين تتوسع.
لأن روسيا تستثمر في الفوضى.
ولأن إدارة ترامب ترى أن أفريقيا "سوق مصالح"، لا "ملعب مبادئ".

هذه ليست دعوة دبلوماسية تقليدية.
هذه خريطة تدخل استباقي، لا تُعلن فيها أميركا أنها ستستثمر… بل تُمهّد لأن تستولي على ما قد يستثمره غيرها.
موريتانيا، التي ظلت خارج دائرة الاهتمام الأميركي لعقود، تجد نفسها فجأة في قلب الحدث.
فهل تستثمر ذلك لصالحها؟ أم تُستخدم كجسر لعبور الآخرين؟

الفرص الجيوسياسية لا تطرق الباب مرتين، لكنها تتحول إلى فخاخ إذا لم تُدار بذكاء.
موريتانيا مطالَبة اليوم بأمرين لا ثالث لهما:
1. أن تُفاوض من موقع الندّ، لا التابع… فالثروات التي تملكها ليست فضلًا من أحد.
2. أن تبني مؤسسات سيادية شفافة قادرة على التفاوض، لا مجرد واجهات تستقبل الزوار ثم تُسلّم الثروات لمن يدفع أولًا.
إن التحالف مع واشنطن ليس عيبًا…
لكن العيب أن ندخل صفقة لا نفهم شروطها.
#موريتانيا #Mauritania