مراكز القوة في حكومة موريتانيا… توازنات داخلية في ظل عهد غزواني
تاريخيًا، ظل القصر الرئاسي في موريتانيا مركز الثقل في القرار السياسي، بينما مثّلت الحكومات أذرعًا تنفيذية تتفاوت أهميتها بحسب المرحلة. وفي عهد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، برزت داخل الحكومة توازنات متعددة، حيث بات لكل وزير موقع محدد ونفوذ متفاوت، يعكس طبيعة الملفات التي يديرها وصلته بمفاصل الدولة والمجتمع.
حننه ولد سيدي: حضور ميداني ورصيد عسكري
وزير الدفاع حننه ولد سيدي قادم من المؤسسة العسكرية، ويستند إلى مسار مهني طويل داخلها. ما يميّزه عن أسلافه هو حضوره الميداني وتواصله المباشر مع مختلف المكوّنات، الأمر الذي يمنحه قاعدة اجتماعية واضحة. غير أن السؤال المطروح هو مدى قابلية هذه الشعبية للتحوّل إلى نفوذ سياسي حقيقي داخل دائرة القرار.
محمد أحمد ولد محمد الأمين احويرثي : قوة الجهاز
وزير الداخلية يشرف على ملفات الأمن والانتخابات، ما يجعله بحكم المنصب صاحب مفاتيح أساسية في تسيير الدولة. قوته تكمن في الجهاز الإداري والأمني الذي يقوده، وإن كان تأثيره السياسي المباشر على الرأي العام محدودًا نسبيًا.
المختار ولد اجاي: إدارة الاقتصاد والملفات التنفيذية
بصفته رئيسًا للوزراء، يركّز ولد اجاي على الملفات الاقتصادية والتنفيذية. خبرته السابقة في المالية والإدارة تمنحه قدرة على تسيير السياسات العمومية، لكنه يفتقر إلى قاعدة جماهيرية واسعة، ما يجعله أقوى على مستوى التسيير اليومي وأضعف على مستوى التأثير الشعبي.
محمد سالم ولد مرزوك: خبرة دبلوماسية
وزير الخارجية يملك خبرة طويلة في العلاقات الدولية، ونجح في إدارة توازنات بين عواصم إقليمية ودولية متباينة. نفوذه الأساسي يظهر على مستوى السياسة الخارجية، في حين يبقى تأثيره في الداخل محدودًا مقارنة بزملائه في وزارات السيادة.
مقارنة تاريخية
في عهد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، برز وزير الداخلية كأحد أهم مراكز القوة، نظرًا لارتباط المنصب مباشرة بالانتخابات والأمن. أما في فترة محمد ولد عبد العزيز، فقد احتفظت المؤسسة العسكرية بموقع الصدارة، فيما ظل رئيس الوزراء ذا نفوذ محدود. حكومة غزواني الحالية تبدو أقرب إلى توزيع متوازن للأدوار بين عدة وزراء، مع بقاء القصر الرئاسي هو المرجعية النهائية.
موازين داخلية
لا ينظر الوزراء إلى بعضهم كمجرد شركاء، بل كفاعلين يتحركون ضمن توازن دقيق: الدفاع يستند إلى الشعبية العسكرية، الداخلية إلى الجهاز الإداري، الحكومة إلى الملف الاقتصادي، الخارجية إلى العلاقات الدولية، والشباب إلى الرمزية. هذه التوازنات تجعل الحكومة تبدو كتلة واحدة أمام الجمهور، لكنها من الداخل شبكة معقّدة من النفوذ المتقاطع.
خلاصة
تشكّل حكومة غزواني الحالية مشهدًا متعدّد المراكز، حيث لا يحتكر أي وزير وحده مفاتيح القوة. كل طرف يملك جزءًا من المشهد: جهاز، أو ملف، أو رصيد اجتماعي. ويبقى القصر هو الجهة التي توازن بين هذه الأدوار، وتحسم عند الضرورة.
